ما أجلّ هذا المغزى وما أدق معناه وخلاصته أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ، ونحن أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا ، ومن جهة اخرى هي مقدورة لله تعالى وداخلة في سلطانه ؛ لأنه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ؛ لأن لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد (٥).


الفرق في الإرادة الأصلية والتبعية ، فإن ما يكون في صراط الكمال مراد أصالة ، وما لا يكون كذلك ، ولكن كان من لوازم الاختيار والتكامل الاختياري مراد تبعا ، فالمشية الاستقلالية منحصرة فيه تعالى وجميع الإرادات والمشيات منتهية إلى مشيئته وكانت في طول مشيئته.

ومما ذكر يظهر أنه لا معارضة بين الأخبار ، كما لا معارضة بين الآيات بعد الوقوف على حقيقة المراد كما لا يخفى.

(٥) ولا يخفى عليك أن المحصل من الأدلة النقلية والعقلية هو نفي الجبر ، لوجدان القدرة والاختيار ، والوجدان أدل دليل ؛ لأنه علم حضوري بالشيء ، ولا خطأ في العلم الحضوري.

كما أن المحصل من الأدلة هو نفي التفويض ؛ لأن الممكن كما لا يقتضي الوجود في حدوثه وبقائه ، كذلك لا يقتضي الوجود في فاعليته ، وإلّا لزم الانقلاب في ذات الممكن ، وهو خلف ، فلا يتصور الاستقلال في الممكن ، لا في أصل وجوده ولا في صفاته ولا في بقائه ولا في فاعليته.

فملكيته تعالى لا تقايس بالملكية الاعتبارية حتى يتصور تفويضها إلى الغير ،

۳۲۰۱