قلت: فيه أنّ الإرادة تتعلّق بأمر متأخّر استقباليّ، كما تتعلّق بأمر حاليّ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل، فضلاً عن فاضل ؛ ضرورةَ أنّ تحمُّلَ المشاقّ في تحصيل المقدّمات - في ما إذا كان المقصود بعيدَ المسافة وكثير المؤونة - ليس إلّا لأجل تعلّق إرادته به، وكونهِ مريداً له قاصداً إيّاه، لا يكاد يحمله على التحمّل إلّا ذلك.

ولعلّ الّذي أوقعه في الغلط ما قرع سَمْعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحوَ المراد، وتوهَّم: أنّ تحريكها نحو المتأخّر ممّا لا يكاد.

وقد غفل عن أنّ كونه (١) محرِّكاً نحوه يختلف حسب اختلافه، في كونه ممّا لا مؤونة له كحركة نفس العضلات، أو ممّا له مؤونة ومقدّمات قليلة أو كثيرة.

فحركة العضلات تكون أعمَّ من أن تكون بنفسها مقصودةٌ أو مقدّمةٌ له، والجامع أن يكون نحو المقصود (٢).

بل مرادهم من هذا الوصف - في تعريف الإرادة - بيان مرتبة الشوق الّذي يكون هو الإرادة، وإن لم يكن هناك فعلاً تحريكٌ ؛ لكون المراد وما اشتاق إليه كمالَ الاشتياق، أمراً استقباليّاً غيرَ محتاجٍ إلى تهيئة مؤونة أو تمهيد مقدّمة ؛ ضرورةَ أنّ شوقه إليه ربما يكون أشدَّ من الشوق المحرِّك فعلاً نحوَ أمرٍ حاليٍّ أو استقباليٍّ محتاجٍ إلى ذلك، هذا.

مع أنّه لا يكاد يتعلّق البعث إلّا بأمر متأخّر عن زمان البعث ؛ ضرورةَ أنّ البعث إنّما يكون لإحداث الداعي للمكلّف إلى المكلّف به، بأن يتصوّره بما

__________________

(١) الأولى: تأنيث الضمير ؛ لرجوعه إلى الإرادة. ( منتهى الدراية ٢: ١٩٥ ).

(٢) هذا ليس بجامع بين فردي الحركة، بل يتّحد مع الثاني لا غيره، والجامع هو الحركة المقصودة نفسياً أو غيرياً. ( حقائق الأُصول ١: ٢٤٦ )، وراجع نهاية الدراية ٢: ٨٢.

۳۸۳۱