بقاء واستمرارا ؛ إذ القدرة على الوجود تلازم القدرة على العدم ، بل القدرة على العدم على طبع القدرة على الوجود ، وإلاّ لو كان العدم غير مقدور بقاء لما كان الوجود مقدورا ، فإنّ المختار القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.
والتحقيق أنّ هذا البحث ساقط من أصله ، فإنّه ـ كما أشرنا إليه فيما سبق ـ ليس معنى النهي هو الطلب ، حتّى يقال : «إنّ المطلوب هو الترك أو الكفّ؟» ، وإنّما طلب الترك من لوازم النهي ، ومعنى النهي المطابقيّ هو الزجر والردع. نعم ، الردع عن الفعل (١) يلزمه عقلا طلب الترك ، كما أنّ البعث نحو الفعل (٢) في الأمر يلزمه عقلا الردع عن الترك.
فالأمر والنهي ـ كلاهما ـ يتعلّقان بنفس الفعل رأسا ، فلا موقع للحيرة والشكّ في أنّ الطلب في النهي يتعلّق بالترك أو الكفّ.
٥. دلالة صيغة النهي على الدوام والتكرار (٣)
اختلفوا في دلالة صيغة النهي على التكرار أو المرّة ، كالاختلاف في صيغة «افعل».
والحقّ هنا ما قلناه هناك بلا فرق ، فلا دلالة لصيغة «لا تفعل» ، لا بهيئتها ، ولا بمادّتها على الدوام والتكرار ، ولا على المرّة ، وإنّما المنهيّ عنه صرف الطبيعة ، كما أنّ المبعوث نحوه في صيغة «افعل» صرف الطبيعة.
غير أنّ بينهما فرقا من ناحية عقليّة في مقام الامتثال ، فإنّ امتثال النهي بالانزجار عن فعل الطبيعة ، ولا يكون ذلك إلاّ بترك جميع أفرادها ، فإنّه لو فعلها مرّة واحدة ، ما كان ممتثلا. وأمّا امتثال الأمر فيتحقّق بإيجاد أوّل وجود من أفراد الطبيعة ، ولا تتوقّف طبيعة الامتثال على أكثر من فعل المأمور به مرّة واحدة.
وليس هذا الفرق من أجل وضع الصيغتين ودلالتهما ، بل ذلك مقتضى طبع النهي والأمر عقلا.
__________________
(١) ويعبّر بالفارسيّة «بازداشتن از انجام كارى».
(٢) ويعبّر بالفارسيّة : «وا داشتن به انجام كارى».
(٣) والأنسب أن يقال في عنوان المسألة : «عدم دلالة صيغة النهي على الدوام والتكرار».