حصول القطع بالحكم الشرعيّ من غير الكتاب والسنّة (١) ، وإذا حصل ، كيف يكون حجّة؟
٢. إنّه هل للعقل أن يدرك بطريق من الطرق أنّ هذا الشيء مثلا حسن شرعا أو قبيح أو يلزم فعله أو تركه عند الشارع؟ يعني أنّ العقل بعد إدراكه لحسن الأفعال أو لزومها ، ولقبح الأشياء أو لزوم تركها في أنفسها بأيّ طريق من الطرق ... هل يدرك مع ذلك أنّها كذلك عند الشارع؟
وهذا المقصد الثاني ـ الذي سمّيناه : «بحث الملازمات العقليّة» ـ عقدناه لأجل بيان ذلك في مسائل على النحو الذي سيأتى إن شاء الله (تعالى) ، ويكون فيه تشخيص صغريات حجيّة العقل المبحوث عنها في المقصد الثالث (مباحث الحجّة).
ثمّ لا بدّ ـ قبل تشخيص هذه الصغريات في مسائل ـ من ذكر أمرين يتعلّقان بالأحكام العقليّة مقدّمة للبحث ، نستعين بها على المقصود ، وهما :
١. أقسام الدليل العقليّ (٢)
إنّ الدليل العقليّ ـ أو فقل : ما يحكم به العقل الذي يثبت به الحكم الشرعيّ ـ ينقسم إلى قسمين : ما يستقلّ به العقل ، وما لا يستقلّ به.
وبتعبير آخر نقول : إنّ الأحكام العقليّة على قسمين : مستقلات ، وغير مستقلاّت.
وهذه التعبيرات كثيرا ما تجري على ألسنة الأصوليّين ويقصدون بها المعنى الذي سنوضّحه. وإن كان قد يقولون : «إنّ هذا ممّا يستقلّ به العقل» ولا يقصدون هذا المعنى ، بل يقصدون به معنى آخر ، وهو ما يحكم به العقل بالبداهة وإن كان ليس من المستقلاّت العقليّة بالمعنى الآتي.
__________________
(١) يأتي في الصفحة الآتية.
(٢) قد يستشكل في إطلاق اسم الدليل على حكم العقل كما يطلق على الكتاب والسنّة والاجماع. وسيأتى إن شاء الله (تعالى) في مباحث الحجّة معنى الدليل والحجّة باصطلاح الأصوليّين وكيف يطلق باصطلاحهم على حكم العقل ، أي القطع * ـ منه رحمهالله ـ.
__________________
* يأتي في المبحث الثاني من المباحث المذكورة في مقدّمة المقصد الثالث.