بل يثبت ذلك من طريق الشرع ، كتوقّف الصلاة على الطهارة ، واستقبال القبلة ، ونحوهما. ويسمّى هذا الأمر أيضا «الشرط الشرعيّ» باعتبار أخذه شرطا وقيدا في المأمور به عند الشارع ، مثل قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» (١) المستفادة منه شرطيّة الطهارة للصلاة.
والغرض من ذكر هذا التقسيم بيان أنّ النزاع في مقدّمة الواجب هل يشمل الشرط الشرعيّ؟
ولقد ذهب بعض أعاظم مشايخنا ـ على ما يظهر من بعض تقريرات درسه (٢) ـ إلى أنّ الشرط الشرعيّ كالجزء لا يكون واجبا بالوجوب الغيريّ ، وسمّاه : «مقدّمة داخليّة بالمعنى الأعم» ، باعتبار أنّ التقيّد لمّا كان داخلا في المأمور به وجزءا له (٣) فهو واجب بالوجوب النفسيّ. ولمّا كان انتزاع التقيّد إنّما يكون من القيد ـ أي منشأ انتزاعه هو القيد ـ والأمر بالعنوان المنتزع أمر بمنشإ انتزاعه ؛ إذ لا وجود للعنوان المنتزع إلاّ بوجود منشأ انتزاعه ، فيكون الأمر النفسيّ المتعلّق بالتقيّد متعلّقا بالقيد ؛ وإذا كان القيد واجبا نفسيّا فكيف يكون مرّة أخرى واجبا بالوجوب الغيريّ؟!
ولكن هذا كلام لا يستقيم عند شيخنا المحقّق الأصفهانيّ رحمهالله ، وقد ناقشه في مجلس بحثه بمناقشات مفيدة. وهو على حقّ في مناقشاته :
أمّا أوّلا : فلأنّ هذا التقيّد المفروض دخوله في المأمور به لا يخلو : إمّا أن يكون دخيلا في أصل الغرض من المأمور به ، وإمّا أن يكون دخيلا في فعليّة الغرض منه ، ولا ثالث لهما.
فإن كان من قبيل الأوّل فيجب أن يكون مأمورا به بالأمر النفسيّ ، ولكن بمعنى أنّ متعلّق الأمر لا بدّ أن يكون الخاصّ بما هو خاصّ ، وهو المركّب من المقيّد والقيد ، فيكون
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ٢٦١ : الباب ٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.
(٢) وهو المحقّق النائيني في فوائد الأصول ١ : ٢٦٣ و ٢٦٧ وأجود التقريرات ١ : ٣١٣.
(٣) إنّ الفرق بين الجزء والشرط هو أنّه في الجزء يكون التقيّد والقيد معا داخلين في المأمور به ، وأمّا في الشرط فالتقيّد فقط يكون داخلا والقيد يكون خارجا ، يعني أنّ التقيّد يكون جزءا تحليليّا للمأمور به ، إذ يكون المأمور به ـ في المثال ـ هو الصلاة بما هي مقيّدة بالطهارة ، أي إنّ المأمور به هو المركّب من ذات الصلاة والتقيّد بوصف الطهارة. فذات الصلاة جزء (غير) تحليليّ والتقيّد جزء آخر تحليليّ. ـ منه رحمهالله ـ.