عمليّا من جهات كثيرة ، (١) ؛ فضلا عمّا فيه من مشقّة عظيمة لا توصف ، بل هو مستحيل عادة.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ الله (تعالى) أراد بهذه الفقرة ـ والله العالم ـ أن يرفع عنهم هذه الكلفة والمشقّة برفع وجوب النفر ؛ رحمة بالمؤمنين. ولكن هذا التخفيف ليس معناه أن يستلزم رفع أصل وجوب التفقّه ، بل الضرورات تقدّر بقدرها. ولا شكّ أنّ التخفيف يحصل برفع الوجوب على كلّ واحد واحد ، فلا بدّ من علاج لهذا الأمر اللازم تحقّقه على كلّ حال ـ وهو التعلّم ـ بتشريع طريقة أخرى للتعلّم غير طريقة التعلّم اليقينيّ من نفس لسان الرسول. وقد بيّنت بقيّة الآية هذا العلاج وهذه الطريقة ، وهو قوله (تعالى) : ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ...﴾ والتفريع بالفاء شاهد على أنّ هذا علاج متفرّع على نفي وجوب النفر على الجميع.
ومن هذا البيان يظهر أنّ هذه الفقرة (صدر الآية) لها الدخل الكبير في فهم الباقي من الآية الذي هو موضع الاستدلال على حجّيّة خبر الواحد. وقد أغفل هذه الناحية المستدلّون بهذه الآية على المطلوب ، فلم يوجّهوا الارتباط بين صدر الآية وبقيّتها للاستدلال بها ، على نحو ما يأتي.
٢ ـ الكلام عن نفس موقع الاستدلال من الآية على حجّيّة خبر الواحد المتفرّع هذا الموقع على صدرها ؛ لمكان فاء التفريع ، فإنّه (تعالى) ـ بعد أن بيّن عدم وجوب النفر على كلّ واحد ، تخفيفا عليهم ـ حرّضهم (٢) على اتّباع طريقة أخرى بدلالة «لو لا» التي هي للتحضيض ، والطريقة هي أن ينفر قسم من كلّ قوم ليرجعوا إلى قومهم فيبلّغوهم الأحكام بعد أن يتفقّهوا في الدين ، ويتعلّموا الأحكام ، وهو في الواقع خير علاج لتحصيل التعليم ، بل الأمر منحصر فيه.
فالآية الكريمة بمجموعها تقرّر أمرا عقليّا ، وهو وجوب المعرفة والتعلّم ، وإذ تعذّرت المعرفة اليقينيّة بنفر كلّ واحد إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ليتفقّه في الدين فلم يجب ، رخّص الله (تعالى) لهم لتحصيل تلك الغاية ـ أعني التعلّم ـ بأن تنفر طائفة من كلّ فرقة. والطائفة المتفقّهة هي التي تتولّى حينئذ تعليم الباقين من قومهم ، بل إنّه لم يكن قد رخّصهم فقط بذلك ، وإنّما
__________________
(١) كبعد المسافة وكثرة الأحكام وغيرهما.
(٢) أي : بعثهم ، بالفارسيّة : «آنها را تحريك كرد وبرانگيخت».