نعم ، يبقى شيء ، وهو أنّ الواجب أن تنفر من كلّ فرقة طائفة ، والطائفة ثلاثة فأكثر ، أو أكثر من ثلاثة. وحينئذ لا تشمل الآية خبر الشخص الواحد أو الاثنين.
ولكن يمكن دفع ذلك بأنّه لا دلالة في الآية على أنّه يجب في الطائفة أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم مجتمعين بشرط الاجتماع ، فالآية من هذه الناحية مطلقة ، وبمقتضى إطلاقها يكون خبر الواحد ـ لو انفرد بالإخبار ـ حجّة أيضا. يعني أنّ العموم فيها أفراديّ لا مجموعيّ (١).
تنبيه (٢)
إنّ هذه الآية الكريمة تدلّ أيضا على وجوب قبول فتوى المجتهد بالنسبة إلى العاميّ ، كما دلّت على وجوب قبول خبر الواحد ، وذلك ظاهر ؛ لأنّ كلمة «التفقّه» عامّة للطرفين ، وقد أفاد ذلك شيخنا النائينيّ قدسسره ، كما في تقريرات بعض الأساطين من تلامذته ، فإنّه قال : «إنّ التفقّه في الأعصار المتأخّرة وإن كان هو استنباط الحكم الشرعيّ بتنقيح جهات ثلاث : الصدور ، وجهة الصدور ، والدلالة ، ومن المعلوم أنّ تنقيح الجهتين الأخيرتين ممّا يحتاج إلى إعمال النظر والدقّة ، إلاّ أنّ التفقّه في الصدر الأوّل لم يكن محتاجا إلاّ إلى إثبات الصدور ليس إلاّ ، لكن اختلاف محقّق التفقّه باختلاف الأزمنة لا يوجب اختلافا في مفهومه ، فكما أنّ العارف بالأحكام الشرعيّة بإعمال النظر والفكر يصدق عليه الفقيه ، كذلك العارف بها من دون إعمال النظر والفكر يصدق عليه الفقيه حقيقة» (٣).
وبمقتضى عموم التفقّه ، فإنّ الآية الكريمة ـ أيضا ـ تدلّ على وجوب الاجتهاد في العصور المتأخّرة عن عصور المعصومين وجوبا كفائيّا ، بمعنى أنّه يجب على كلّ قوم أن ينفر منهم طائفة فيرحلوا لتحصيل التفقّه ـ وهو الاجتهاد ـ لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ، كما تدلّ أيضا بالملازمة ـ التي سبق ذكرها ـ على حجّيّة قول المجتهد على الناس الآخرين ، ووجوب قبول فتواه عليهم.
__________________
(١) كما في فوائد الأصول ٣ : ١٨٦ ، وأجود التقريرات ٢ : ١١٠.
(٢) وفي «س» تنبيه مهمّ.
(٣) أجود التقريرات ٢ : ١١٠.