والغرض من هذا البحث بيان أحكام التعادل بين الدليلين المتعارضين ، وبيان أحكام المرجّحات لأحدهما على الآخر.
ومن هنا نعرف أنّ الأنسب أن تعنون المسألة بعنوان «التعارض بين الأدلّة» (١) ؛ لأنّ التعادل والترجيح بين الأدلّة إنّما يفرض في مورد التعارض بينهما ، غير أنّه لمّا كان همّ الأصوليّين في البحث وغايتهم منه معرفة كيفيّة العمل بالأدلّة المتعارضة عند تعادلها ، وترجيحها ، عنونوها بما ذكرناه.
وهذه المسألة ـ كما ذكرناه سابقا (٢) ـ أليق شيء بها مباحث الحجّة ؛ لأنّ نتيجتها تحصيل الحجّة على الحكم الشرعيّ عند التعارض بين الأدلّة.
وقبل الشروع في بيان أحكام التعارض ينبغي في المقدّمة بيان أمور يحتاج إليها ، مثل حقيقة التعارض ، وشروطه ، وقياسه بالتزاحم ؛ والحكومة والورود ، ومثل القواعد العامّة في الباب ، فنقول :
[المقدّمة]
١. حقيقة التعارض
التعارض : مصدر من باب «التفاعل» الذي يقتضي فاعلين ، ولا يقع إلاّ من جانبين ، فيقال : تعارض الدليلان. ولا تقول : «تعارض الدليل» وتسكت (٣). وعليه ، فلا بدّ من فرض
__________________
ـ وعلى هذا ، فالتعادل قد يكون في فرض فقدان كلّ المرجّحات ، وقد يكون في فرض وجود مرجّح واحد في الجميع ، وقد يكون في فرض وجود مرجّح في أحدها ، ووجود مرجّح آخر مساو له في الآخر. ولعلّه عدل صاحب الفصول عن ذلك العنوان إلى العنوان المذكور آنفا.
الثاني : ويمكن أن يقال : التعادل هو عدم وجود المزيّة لأحد الأدلّة ، والترجيح هو وجود المزيّة في أحدها. وعلى هذا ، فكما أنّ التعادل لا يكون إلاّ في فرض واحد ـ وهو فرض فقدان المزيّة ـ كذلك الترجيح لا يكون إلاّ في فرض واحد ـ وهو فرض وجودها ـ ، ولعلّه لذلك عدل بعض آخر عن ذلك العنوان إلى عنوان «التعادل والترجيح».
(١) كما عنونها بهذا العنوان المحقّق الخراسانيّ في : الكفاية : ٤٩٥.
(٢) راجع الصفحة : ٣٦٨.
(٣) أي بدون أن تعطف على «الدليل» أمرا آخر.